“إنّ العلوم السياسية التي تدرسون هي من أرقى العلوم حيث أنّها علم الدولة والإنسان، والأخطر فقرار خاطئ من رجل دولة قد يودي بها الى ما لا تحمد عقباه.”
قالها أحد المحاضرين في كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية لطلّابه، ثم أعاد تنظيم أوراقه وغادر قاعة التدريس للسنة الأولى، التي تستقبل في الفرع الأول من الكلية فقط بين 2000 و2500 طالبًا سنويًّا، بحسب لوائح الطلاب، ولكن المتخرجين بهذا الإختصاص في سنتِه الأخيرة لا يتعدّى عددهم المئة طالب.
فما هو هذا الإختصاص وما علاقة الأعداد الكبيرة بامتحان الدخول ؟ ولماذا تتوجّه هذه الأعداد الكبيرة من الطلاب لدراسة العلوم السياسية؟
من البديهي أن يكون اختيار الطلاب لإجازة العلوم السياسية والإدارية تندرج من رغبة في المعرفة السياسية بشكلٍ عام، والتعرف الى عالم العلاقات الدولية والسلك الدبلوماسي والقانون الدستوري، وغيرها من القضايا المثيرة. إضافة الى محاولتهم فهم ما يجري على الساحة اللبنانية، ولكن هل صعوبة الإختصاص هي التي تؤدّي الى رسوب الكثيرين أو عدم إكمال الدراسة؟ أم أن الأسباب “البديهية” لدخول الطالب الى هذه الكلية، الى جانب عوامل وأسباب أخرى تضعف الفرضية الأساس.
أوّلًا وبلمحة شاملة، إن المواد التي تدرَّس – ورغم عدم جمودها – هي تشمل فلسفة الفكر السياسي، طبيعة الأنظمة السياسية، إضافة الى قوانين عدة منها القانون الدولي، وغيرها من المواد والموضوعات الكفيلة بأن تخرّج افرادًا على اطّلاع ودراية بمفاصل العلم السياسي كما وباحثين ومحلّلين في هذا المجال قادرين على تطوير النظام السياسي اللبناني (اذا ما أتيحت لهم الفرصة لذلك).
إحدى العقبات التي تواجهها الكليّة حاليًّا، هي نظام التدريس فيها، فقد بدء مع عام 2009 تطبيق نظام الLMD داخلها (علمًا أنه أقرَّ في تاريخٍ سابقٍ على ذلك) أي أنه حديث نوعًا ما. ونظرًا لخصوصية هذا المجال فطريقة تطبيق نظام الفصول، بعد أن اعتمدت الجامعة لسنوات نظام السنة الدراسية، كانت بحاجة الى تقييم وتعديل مستمرّين، كان آخرهما في العام الدراسي الحالي.
ومن التعديلات التى جرت، إستحدث موادًّا ونمط امتحان الى جانب مجالات جديدة في الدراسات العليا، وضعتها رئاسة الجامعة على جدول أعمالها بين المهمّات الرئيسية لها لعام 2014. تتمثّل تلك المجالات بـ”إعداد السفراء والقناصل” و”المنظّمات الحكومية وغير الحكومية” تضاف الى الموضوعين الموجودين سابقًا في الماستر -2- ألا وهما “العلاقات الدولية” ومركزه الفرع الأول في الحدت، و”علم السياسية” مركزه الفرع الثاني للكلية في جل الديب.
العقبة الثانية التي تواجهها الكلية -وقد تجد حلًّا هذه السّنة مع إمكانية إلزام جميع كلّيّات الجامعة اللبنانية بإجراء إمتحان دخول-، وجود من هم ليسوا أهلًا لدراسة هذا الإختصاص، فغياب الإختبار الإزامي للراغبين في نيل شهادتي الحقوق والعلوم السياسية والادارية، سيف ذو حدّين. إنّ الكلية وبهذه الحال تستوعب أعدادًا كثيرة من الطلاب الذين لم ينجحوا في اجتياز اختبارات دخول لكليّات أخرى، أو نجحوا فيها لكن لم يتم اختيارهم نظرا لحصر عدد المقبولين في كل كلية . فمثلًا كلية الإعلام تختار حصرًا 250 طالبًا ناجحًا من أصل حوالي الثلاثة آلاف يتقدّمون لخوض مباراة الدخول. كما لا ننسى عدم قدرة جزء كبير من الطلاب على تحمّل الأعباء المالية للجامعات الخاصة، يقول مدير كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الفرع الأول-الحدت الدكتور غالب فرحات “أن سبب عدم وجود امتحان دخول هو كون هذه الجامعة والكليّة تحديدًاً جامعةً وكليةً للفقراء”.
إن الأعداد الهائلة التي تستقبلها الكلية، وسوء التنظيم الإداري لها، تؤثر على نوعية تلقّي الطلاب للمعلومات وتفاعلهم، بعدما أخذ التعليم الحديث على صعيد الجامعات كافة يتجه بعيدا عن التلقين، يبقى تطبيق ذلك في العلوم السياسية صعبًا، فرغم اعتماد النظام الجديد على مبدأ الأعمال التطبيقية والأبحاث، إلّا أنّه مستحيل تطبيق ذلك في السنة الأولى على الأقل، نذكر في هذا الإطار على سبيل المثال لا الحصر العام الدراسي 2010-2011 حيث بلغ عدد المسجلين في السنة الاولى (الفرع الأول) 470 طالبًا وطالبة، ونجد هنا الفرق الشاسع بين عدد المسجّلين في الجامعة وعدد المتخرجين منها، فنجح من السنة الأولى حوالي الربع فقط، تحديدًا119 وانتقل منهم الى السنة الثالثة 80 طالبا و 50 فقط وصلوا الى الماستر -1-.
إذًا، عملية اختيار النخبة تحصل ضمن التدرج لنيل الإجازة حصرًا، فنضيف الى المثل السابق، بلوغ عدد المتخرجين العام الأخير 36 طالبًا وطالبة مع العلم أن عدد المسجّلين في السنة الاولى لهذه الدفعة يفوق هذا العدد بكثير.
لكي تحافظ هذه الجامعة على تاريخها ونوعية التعليم فيها، ولتبقى محرابًا لصنع الكفاءات والأدمغة، ألا يجب أن يوضع اختبارًا دائمًا يسمحُ بتقييم الأفراد كما هي طبيعة الحال في معظم الكليات الأخرى، فلا يكونُ موسميًّا بسب إعطاء الإفادات هذا العام؟ وبالتالي تسليط الضوء على طاقات فكرية وقدرات بشرية وإعطاء الحجم والاهمية الحقيقية لهذا الإختصاص القادر على التغيير في المجمعات، عوضًا عن نظرة الإستخفاف الموجّهة له؟
من المبادرات الإيجابية مؤخّراً، طُرح عرضاً على وزير الخارجية في حكومة نجيب ميقاتي السابقة عدنان منصور، يقضي بحصر الوظائف التي تتطلّب شهادة العلوم السياسية والادارية عمليّا بحملتها؛ يعطى على ضوئها المجازين في هذا المجال في لبنان حقّهم كما هي الحال في الدّول الأخرى. ويروي الدكتور فرحات في هذا الاطار حادثة حصلت مع رئيس الجامعة اللبنانية معالي الدكتور عدنان السيّد حسين في مصر –نقلاً عن لسانه، أنّه عندما سأل عميد كلية العلوم السياسية في احدى الجامعات المصرية عن السبب وراء وجود معدّل علاماتٍ عالٍ كشرطٍ لقبول الطلّاب في الكليّة، أجاب العميد أن طلّاب العلوم السياسية هم يمثّلون “مصـر”. عسى أن يلقى خرّيجو العلوم السياسية في لبنان حقّهم، وقد أثبتوا جدارتهم وتبوّأوا أعلى المراكز.